كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَقَالَ الآخر إِنّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا} يقول: رأيت في المنام، كأني أحمل فوق رأسي ثلاث سلال خبزًا: {تَأْكُلُ الطير مِنْهُ نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} يقول: أخبرنا بتفسير هذه الرؤيا: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} أي: من الموحدين.
وذلك أنه ينصر المظلوم، ويعين الضعيف، وكان يداوي مرضاهم، ويعزي مكروبهم.
فإذا احتاج واحد منهم، قام وجمع له شيئًا.
ويقال: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} يعني: من الصادقين في القول.
ويقال: كان متعبدًا لربه.
ويقال: كان أهل السجن يجتمعون عنده، ويسألونه أشياء، فيخبرهم.
فقالا: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} يعني: نراك عالمًا، وقد أحسنت العلم: {قَالَ} لهما يوسف عليه السلام: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} يعني: تطعمانه: {إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} يقول: أخبرتكما بتفسيره، وألوانه: {قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا} الطعام.
وإنما أراد بذلك، أن يبيّن لهما علامة نبوته.
وهذا مثل قول عيسى عليه السلام لقومه: {وَرَسُولًا إلى بنى إسراءيل أَنِّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أنى أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله وَأُبْرِئ الاكمه والابرص وَأُحْىِ الموتى بِإِذْنِ الله وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ في بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلك لأَيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49] فلما أخبر يوسف بذلك، قالا وكيف تعلم ولست بساحر، ولا عرّاف، ولا كاهن؟ قال يوسف: {ذلكما مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى} أراد أن يبيّن لهما علامة نبّوته لكي يسلما.
ثم قال: {إِنّى تَرَكْتُ} يعني: تبرأت من: {مِلَّةَ قَوْمٍ} يعني: دين قوم: {لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} أي: لا يصدّقون بوحدانيته: {وَهُمْ بالآخرة هُمْ كافرون} يعني: بالبعث جاحدون.
ثم:
قال تعالى: {واتبعت مِلَّةَ ءابَاءي إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ} يعني: دينهم: {مَا كَانَ لَنَا} أي: ما جاز لنا: {أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَئ} من الآلهة: {ذلك مِن فَضْلِ الله} يعني: ويقال ذلك الإرسال، الذي أرسل إليه بالنبوة من فضل الله: {وَعَلَيْنَا وَعَلَى الناس} يعني: المؤمنين: {ولكن أَكْثَرَ الناس} يعني: أهل مصر: {لاَ يَشْكُرُونَ} النعمة.
ثم دعاهما إلى الإسلام فقال: {يَشْكُرُونَ ياصاحبى السجن} يعني: الخباز والساقي: {مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ} أي: الآلهة وعبادتها: {خَيْرٌ أَمِ} عبادة: {الله الواحد القهار}.
ثم قال: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ} أي: من الآلهة: {لاَ يَعْلَمُونَ ياصاحبى السجن أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخر} يعني: لا عذر، ولا حجة لعبادتكم إياها،: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ} ما القضاء في الدنيا والآخرة إلا لله: {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} يعني: أمر في الكتاب أن لا تطيعوا في التوحيد إلا إياه: {ذلك الدين القيم} يعني: التوحيد الدين المستقيم وهو دين الإسلام الذي لا عوج فيه: {ولكن أَكْثَرَ الناس} يعني: أهل مصر: {لاَّ يَعْلَمُونَ} أن دين الله هو الإسلام.
ثم أخبرهما بتأويل الرؤيا، بعد ما نصحهما ودعاهما إلى الإسلام، وأخذ عليهما الحجة، فقال: {يَعْلَمُونَ ياصاحبى السجن أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا} وهو الساقي.
قال له يوسف: تكون في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج، فتكون على عملك، وتسقي سيدك خمرًا.
قراءة العامة: {فَيَسْقِى} بنصب الياء.
يقال: سَقَيْتُهُ إذا ناولته.
وقرأ بعضهم: {فَيَسْقِى} من أسقيته إذا جعلت له ساقيًا.
يعني: تتخذ الشراب الذي يسقي الملك.
ثم بيّن تأويل رؤيا الآخر فقال: {وَأَمَّا الآخر} وهو الخباز: {فَيُصْلَبُ} يعني: يخرج من السجن بعد ثلاثة أيام ويصلب: {فَتَأْكُلُ الطير مِن رَّأْسِهِ}.
فلما أخبرهما يوسف بتأويل الرؤيا، قالا: ما رأينا شيئًا فقال لهما يوسف عليه السلام: {قُضِىَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} يعني: تسألان.
رأيتماها أو لم ترياها، قلتما لي، وقلت لكما، فكذلك يكون.
وروى إبراهيم النخعي عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إنهما كانا تحالما ليجرّباه.
فلما أوَّلَ رؤياهما، قالا: إنما كنا نلعب، قال يوسف: {قُضِىَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}.
قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا} يعني: قال يوسف عليه السلام للذي علم أنه ينجو من السجن والقتل، وهو الساقي: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ} قال يوسف للساقي: إذا دعاك الملك، وسقيته، فاذكرني عنده إني مظلوم قد عدا عليّ إخوتي فباعوني.
{فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبّهِ} يعني: أنسى الشيطان يوسف أن يستغيث بالله، فاستغاث بالملك، وقال الفراء: أنسى الشيطان الساقي أن يذكر يوسف عند الملك.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {فَأَنْسَاهُ الشيطان} قال: هو يوسف.
أنساه الشيطان ذكر ربه، وأمره بذكر الملك، وابتغى الفرج من عنده: {فَلَبِثَ في السجن بِضْعَ سِنِينَ} بقوله: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ}.
وروى معمر عن قتادة أنه قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ لَمْ يَسْتَعِنْ يُوسُفُ عَلَى رَبِّهِ، لَمَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ». وروي عن أبي عبيدة أنه قال: البضع ما دون نصف العقد. يعني: من واحد إلى أربعة. وقال الأصمعي: ما بين الثلاث إلى التسع. هكذا قال قطرب، والسدي. وروى منصور عن مجاهد قال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع. وذكر عبد العزيز بن عمير الكندي، أن يوسف رأى جبريل في السجن.
فقال له: يا أبا المنذرين، ما لي أراك بين الخاطئين؟ فقال له جبريل: يا طاهر الطاهرين، رب العزة يُقْرِئُكَ السلام، ويقول: أما استحيت مني إذ استغثت بالآدميين، فبعزتي لألبثنك في السجن بضع سنين.
قال بعضهم: يعني سبع سنين، سوى الخمس الذي مكث فيه.
وذلك اثنتا عشرة سنة.
وقال بعضهم: جميع ما أقام فيه سبع سنين.
وقال بعضهم: ثماني عشرة سنة.
وقال بعضهم: إن الملك رأى في المنام، واسم الملك ريان بن الوليد فذلك قوله تعالى: {وَقَالَ الملك إِنّى أرى} يعني: رأيت في المنام: {سَبْعَ بقرات سِمَانٍ} خرجن من نهر مصر: {يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ} بقرات: {عِجَافٌ} هزلى، فابتلع العجاف السمان، فدخلن في بطونهن، فلم يرَ منهنّ شيء، ورأيت: {وَسَبْعَ سنبلات خُضْرٍ وَأُخَرَ يابسات يا أَيُّهَا أَيُّهَا الملأ} يعني: العرافين، والسحرة، والكهنة،: {أَفْتُونِى في رؤياى} يعني: عبروا رؤياي، وبيّنوا تفسيرها: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} أي: تفسرون: {قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ} يعني: أباطيل الأحلام مختلطة: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاحلام بعالمين} يعني: ليس للرؤيا المختلطة عندنا تأويل.
وقال أهل اللغة كل رؤيا لا تأويل لها، فهي: {أضغاث أَحْلاَمٍ} أي: أباطيل الأحلام واحدها ضغث.
قوله تعالى: {وَقَالَ الذي نَجَا مِنْهُمَا} وهو الساقي: {وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ} يعني: تذكر بعد حين.
يعني: بعد سبع سنين.
وقال الزجاج: أصل ادكر اذكر.
ولكن التاء أبدلت بالدال وأدغم الذال في الدال.
وقال القتبي: الأمة الصنف من الناس، والجماعة كقوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ في الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم مَّا فَرَّطْنَا في الكتاب مِن شَئ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38] ثم تستعمل الأمة في الأشياء المختلفة.
يقال للإمام: أمة كقوله: {إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً قانتا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين} [النحل: 120] لأنه سبب للاجتماع.
ويسمى الدين أمة كقوله: {بَلْ قالوا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على ءاثارهم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف: 22] أي: على دين، لأن القوم يجتمعون على دين واحد، فيقام ذلك اللفظ مقامه.
ويسمى الحين أمة كقوله: {وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ} وكقوله: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [هود: 8] وإنما سمي الحين أمة أيضًا، لأن الأمة من الناس ينقرضون في حين، فيقام الأمة مقام الحين وقرأ بعضهم: {وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ} يعني: بَعْدَ بعُدَ نسيانٍ يقال: أمَهْتُ أي: نسيت.
وقال الفراء: يقال رجل مأموه، كأنه ليس معه عقل فلما تذكر الساقي حال يوسف، جاء وجثا بين يدي الملك، وقال: {أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} يعني: بتأويل ما رأيت من الرؤيا.
وروي عن الحسن: أنه كان يقرأ: {أَنَاْ ءاتِيكُمْ بِتَأْوِيلِهِ}، وقراءة العامة: {أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} فقال: وما يدريك يا غلام، ولست بمعبّر، ولا كاهن؟ فقصَّ عليه أمره الذي كان وقت كونه في السجن برؤيته، وتعبير يوسف لها، وصدق تعبيره على نحو ما وصفه له.
وأخبره بحال يوسف وحكمته، وعلمه، وفهمه،: {فَأَرْسِلُونِ} يعني: أرسلوني أيها الملك إلى يوسف.
خاطبه بلفظ الجماعة، كما يخاطب الملوك.
فأرسله الملك.
فلما جاء إلى يوسف في السجن، ودخل عليه، واعتذر إليه بما أنساه الشيطان ذكر ربه، وقال: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} والصديق كثير الصدق: يعني: أيها الصادق فيما عبرت لنا: {أَفْتِنَا في سَبْعِ بقرات سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} هزلى: {وَسَبْعِ سنبلات خُضْرٍ وَأُخَرَ يابسات لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى الناس} يعني: إلى أهل مصر: {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} قَدْرك، ومنزلتك.
ويقال: إلى الناس، يعني إلى الملك، لكي يعلم مكانك، فيكون ذلك سببًا لخلاصك إذا علم تعبير رؤياه.
فعبر يوسف ورؤياه وهو في السجن، فقال: أما السبع البقرات السمان، فهي سبع سنين خصب.
أما السبع العجاف، فهي سبع سنين شدة وقحط، ولا يكون في أرض مصر البر.
وأما السبع السنبلات الخضر، فهي الخصب، واليابسات هي القحط.
{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا} يعني: ازرعوا لسبع سنين: {دَأَبًا} يعني: دائمًا: {فَمَا حَصَدتُّمْ} من الزرع: {فَذَرُوهُ في سُنبُلِهِ} يعني: في كعبره.
فهو أبقى لكم، لكي لا يأكله السوس إذا كانت في الكعبرة،: {إِلاَّ قَلِيلًا مّمَّا تَأْكُلُونَ} يعني: تدرسون بقدر ما تحتاجون إليه، فتأكلون.
{ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك} الخصب: {سَبْعٌ شِدَادٌ} يعني: مجدبات: {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} يعني: للسنين.
ويقال: {مَا قَدَّمْتُمْ} يعني: ما جمعتم: {إِلاَّ قَلِيلًا مّمَّا تُحْصِنُونَ} يعني: تدّخرون، وتحرزون.
{ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك} القحط: {عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس} يعني: يمطر الناس.
والغيث: المطر.
ويقال: هو من الإغاثة يعني: يغاثون بسعة الرزق: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يعني: ينجون من الشدة ويقال يعصرون العنب، والزيتون.
قرأ حمزة والكسائي: {تَعْصِرُونَ} بالتاء على معنى المخاطبة.
وقرأ الباقون بالياء على معنى المغايبة.
يعني: الناس وقرأ بعضهم: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} بضم الياء، ونصب الصاد، يعني: يمطرون من قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ: 14] فرجع الساقي إلى الملك، وأخبره بذلك،: {وَقَالَ الملك ائتونى بِهِ} قال بعضهم: كان الملك رأى الرؤيا، ونسيها، فأتاه يوسف، فأخبره بما رأى، وأخبره بتفسيره.
ولكن في ظاهر الآية، أن الملك كان ذاكرًا لرؤياه، وأن يوسف عبّر رؤياه وهو في السجن.
قبل أن ينتهي إلى الملك: {وَقَالَ الملك ائتونى بِهِ} يعني: بيوسف: {فَلَمَّا جَاءهُ الرسول} برسالة الملك، أنَّ الملك يدعوك: {قَالَ} يوسف للرسول: {ارجع إلى رَبّكَ} يعني: إلى سيدك وهو الملك: {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة التي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} يعني: سله حتى يتبيّن أني مظلوم في حبسي أو ظالم: {إِنَّ رَبّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} يعني: إن سيدي وخالقي، عالم بما كان منهن.
قال: حدّثنا الخليل بن أحمد.
قال: حدّثنا إبراهيم الدبيلي.
قال: حدّثنا أبو عبيد الله، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْلا الكَلِمَةُ الَّتِي قَالَ يُوسُفُ: {لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا اذكرنى عِندَ رَبّكَ} ما لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبَثَ وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ يُوسُفَ وَكَرَمِهِ، وصَبْرِهِ، وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ أنا الَّذِي دُعِيتُ إلى الخُرُوجِ لَبَادَرْتُهُمْ إلى البَابِ، وَلكِنْ أَحَبَّ أنْ يَكُونَ لَهُ العُذْرُ بِقَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاءهُ الرسول قَالَ ارجع إلى رَبّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة التي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}». قال ابن عباس لو خرج يوسف حين دعي، لم يزل في قلب الملك منه شيء. فلذلك: {قَالَ ارجع إلى رَبّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة}.
قوله تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ} وذلك أن الملك أرسل إلى النسوة، وجمعهن، ثم سألهنّ فقال: {مَا خَطْبُكُنَّ} يعني: ما حالكن، وشأنكن، وأمركن،: {إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ} يعني: طلبت امرأة العزيز إلى يوسف المراودة عن نفسه، هل ليوسف في ذلك ذنب؟ فأخبرن الملك ببراءة يوسف: {قُلْنَ حَاشَ للَّهِ} يعني: معاذ الله: {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوء} يعني: ما رأينا منه شيئًا من الفاحشة، ولم يكن له ذنب.
فلما رأت امرأة العزيز، أن النسوة شهدن عليها، اعترفت على نفسها، وأقرت بذلك، فذلك قوله تعالى: {قَالَتِ امرأت العزيز الئن حَصْحَصَ الحق} يعني: ظهر الحق، ووضح.
ويقال: استبان.
قال زجاج: هو في اللغة من الحصة أي: بانت حصة الحق، وجهته من حصة الباطل، ومن جهته: {أَنَاْ راودته عَن نَّفْسِهِ} يعني: طلبت إليه أن يمكنني من نفسه: {وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين} أي: إنه لم يراودني وهو صادق فيما قال ذلك اليوم.
قال يوسف عند ذلك إنما فَعَلَت: {ذلك لِيَعْلَمَ} العزيز: {أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} لم أخن في امرأته، إذا غاب عني، فذلك قوله: {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِى كَيْدَ الخائنين} يعني: لا يرضى عمل الزانين.
وروى إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح قال: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} قال: هو يوسف لم يخن العزيز في امرأته.
وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما قال يوسف: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} قال له جبريل عند ذلك: ولا يوم هممت بما هممت به.
قال يوسف عليه السلام: {وَمَا أُبَرّئ نَفْسِى} يعني: من الهم الذي هممت به: {إِنَّ النفس لامَّارَةٌ بالسوء} يعني: بالمعصية.
ويقال: القلب آمر للجسد بالسوء، والإثم.
يقال في اللغة: إذا أمرت النفس بشيء، هي آمرة.
وإذا أكثرت الأمر، يقال: هي أمارة.
فقال: {إِنَّ النفس لأمَّارَةٌ بالسوء} يعني: مائلة إلى الشهوات: {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى} إلا من عصم الله تعالى من المعصية: {إِنَّ رَبّى غَفُورٌ} للهم الذي هممت به: {رَّحِيمٌ} حين تاب عليّ وعصمني وغفر لي. اهـ.